عالم الشات

عالم الشات عالم جديد وغريب وعجيب، يرتاده البعض بدافع الفضول، حيث تطوى المسافات ونلتقي مع مختلف اللهجات والثقافات، والبعض يغوص في أعماقه اطراحا للملل والسأم، خاصة مع ضعف الروابط الأسرية والعائلية، وآخرون لبث الشكوى وتفريغ الأحزان والهروب من الضغوط، ومنهم من يجده فرصة لملء الفراغ العاطفي، خاصة مع الجنس الآخر الذي تحول التقاليد دون اللقاء معه.. فالكثيرون يتسلون بمجرد الحديث مع الجنس الآخر بغض النظر عن موضوع الحديث، فكل ما يهم الرجل أن يسمع صوت أنثى، خاصة إذا كان جميلا رقيقا، وكل ما يهم الأنثى مثل ذلك، فالنساء شقائق الرجال، وعلى أضعف الأحوال يهم كلا منهما أن يحادث الآخر ولو كتابة.
والغالب أننا ندخل هذا العالم بنية ساذجة أو صادقة، ولا يدور في خَلَدنا- ولو للحظة- أنه يمكن أن تنجرف العواطف، وتزل الأقدام، ونقدم على ارتكاب ما لا يمكن أن نتصور أننا قد نفعله في يوم من الأيام من أنواع الآثام، وربما الفواحش، خاصة أن الشيطان يسول لنا أن الإبحار في الإنترنت من البيت ومن الغرفة يجعل صاحبه في مأمن من عبث عابثٍ أو تربُّص مُتربّص، لأنها علاقة مدارها على الكلام، لكن للأسف غالبا ما تتطور- وبدون وعي منا- إلى المواعدة واللقاء في الخفاء!
لذا يتحتم علينا أن نتعرف على طبيعة هذا العالم المثير، ونستكشف سلبياته وإيجابياته، وضوابط التعامل معه، كي نجني الثمرة ولا تحرقنا نار الغدرة والفجرة.
أوضحت إحدى الدراسات لبعض الشباب العربي المثقف من خلال زيارات ميدانية قاموا بها للعديد من برامج الشات والمحادثة أن 5% فقط من غرف المحادثة تتناول موضوعات ذات قيمة فكرية وثقافية هادفة، وقضايا الأمة وأحوالها، يعبر بها الشباب العربي عن ذاته وطموحاته ووجوده، و86% من هذه الغرف تعتبر أبواق هدم أخلاقي وثقافي يمارس بشكل منظم وممنهج، خاصة ضد الفتيات، في حين أن 9% من هذه الغرف تتباين في حواراتها وآليات تناولها من جيد إلي سيئ.
إن ديننا العظيم حذرنا أشد تحذير من إقامة العلاقات بين الجنسين خارج نطاق الزواج، وأوصد الباب بشدة أمام مصيبة برامج التعارف التي ذاعت وانتشرت عبر الصحف والمجلات وشبكة الإنترنت، وما ذلك إلا درءًا للفتنة، ومنعًا لحوادث العشق والغرام التي تؤول بأصحابها غالبا إلى الفواحش الخطيرة، وانتهاك حرمات الله، أو تؤدي بهم إلى زيجات فاشلة محفوفة بالشك وفقدان الثقة.
من أفعال الجاهلية
اتخاذ الأخدان من أفعال الجاهلية، قال تعالى {... مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ...} (النساء:25)، قال الألوسي: والأخدان جمع خدن وهو الصاحب، والمراد به هنا من تتخذه المرأة صديقا يزني بها والجمع للمقابلة، والمعنى ولا مسرات الزنا، وكان الزنا في الجاهلية منقسمًا إلى سر وعلانية، وروي عن ابن عباس أن أهل الجاهلية كانوا يحرمون ما ظهر منه ويقولون: إنه لؤم، ويستحلون ما خفي ويقولون: لا بأس به، ولتحريم القسمين نزل قوله تعالى {وَلاَ تَقْرَبُواْ الفواحش مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} (الأنعام:151). (تفسير الألوسي 4/22).
لا لحرية الحب
لقد ارتبط في أذهان الكثير من الفتيات أن يمارسن الحب خارج البيوت، وأن ينسجن خيوط العشق وطرائق الغرام بعيدًا عن الزواج الحلال، من باب أن الممنوع مرغوب.. فهل نقبل بما يسمى"حرية الحب" في مجتمعنا الإسلامي؟
إن ما يسمى بالحب الذي تعيشه بعض الفتيات اليوم فيه من الشطط والمعابة ما يجعله لهوًا ولعبًا، فلا ترى له هدفًا، ولا تتلمس له ضوابط ومعايير، بل تراه خفيًّا مستترًا أو بارزًا متبجحًا يلتقي مع السراب في كثير من الحالات، لأن حقيقة الإنترنت أنها وسيلة اتصال فقط لا غير، أي لا تواصل ولا تعارف حقيقيا يمكن أن ينبني عليه زواج أو أي علاقة طبيعية، وغالبا يترك هذا الحب جراحًا تدوم إلى الأبد، ونادرًا ما ينتهي بالزواج، وإذا تم الزواج فقد يحدث الطلاق بعد الزواج بسبب كثرة الشكوك بين الزوجين {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ} (التوبة: 109)، والحياة الزوجية إن كانت خالية من الثقة بين الطرفين فهي محكوم عليها بالفشل، ولا يزال الشيطان يعيد تلك الذكريات المحرمة في مخيلة كل واحد منهما، ولا يزال الشيطان يدفعهما لإعادة الكرة، وما المانع وقد فَعلاها من قبل؟! هذا إن كان حبًّا عفيفًا وعلاقة شريفة، فما بالك بالحب غير العفيف والعلاقات غير الشريفة.
عزيزتي الفتاة المسلمة: إن كنت فعلا تقعين تحت ضغوط في بيتك وتفتقدين الحب والعطف والحوار الهادئ مع الأهل، فهل هذا مسوغ ومبرر للبحث عن هذا المفقود خارج المنزل؟ يجيبنا الله تبارك وتعالى عن هذا بقوله في سورة النساء {وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَان} (النساء: 25) قال ابن عباس: يعني أخلاء، وقال الحسن البصري: يعني الصديق (تفسير ابن كثير)، فأين أنت أختي من هذه الآية الصريحة في موضوع اتخاذ الأصحاب والأصدقاء من الرجال؟
إن وجود الصداقة بين الفتاة والشاب لا يخلو من الوقوع في براثن النظرة الحرام، والكلمة الحرام، واللمسة الحرام، والخطوة الحرام، والخلوة الحرام، قال الله تعالى {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولا} (الإسراء: 36)، وأيضًا ميزان الله تعالى {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} (الإسراء: 32)، وأيضًا زني حالك بميزان. وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُن} (النور:31)، وضعي علاقتك العاطفية على ميزان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم حينما قال "لا يخلون أحدكم بامرأة، فإن الشيطان ثالثهما" (رواه أحمد)، فانظري أين تضعين قدمك وأين تذهبين؟ وتأكدي أنه بعد انتهاء هذه العلاقة تذهب اللذات وتبقى الحسرات.
لو ترك الإنسان بلا قيود ولا ضوابط لكان حالنا كحال الحيوانات التي ليس لها ضوابط ولا قيود في علاقاتها، ولقد قال الله تعالى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَم} (الإسراء:70)، والضابط والقيد الذي يحمينا حتى من أنفسنا هو ضابط الدين والخوف من الله، فإذا قال لنا الله تعالى {وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} فهو أمر من الله بعدم اتخاذ الفتاة والمرأة عمومًا لصديق أو صاحب من غير المحارم، والذي أمرنا بذلك هو أعلم منا بحالنا، ولا يشرع لنا إلا ما يصلحنا وتصلح به حياتنا {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (الملك: 14).
تستطيعين أن تجلبي المحبة لنفسك بأسهل الطرق.. أخلصي في محبتك لعائلتك، أحبيهم بصدق واجعليهم يشعرون بهذه المحبة، قومي بخدمتهم واجعليهم يشعرون بسعادتك وأنت تخدمينهم..كوني مرحة وبشوشة معهم، وعيشي الحياة ببراءة وأنتِ حولهم.. احرصي على أن تكوني دائماً مع أهلك ولا تبتعدي عنهم، فوالله لن تجدي أصدق منهم مهما بلغت قسوتهم عليك، فهذا كله نابع من محبتهم لك.
رأي الدين
الإنترنت ولوازمه من المحادثة عبر الشات والماسنجر وسيلة قد تكون سببا في تحصيل الخير، من تبادل العلوم النافعة، والدعوة إلى الله، والتعرف على أحوال المسلمين، وقد تكون سببا للمفاسد والشرور، وذلك حينما تكون بين الرجل والمرأة، ولذلك لا يجوز تكوين صداقات بين الرجال والنساء عبر هذه الوسائل للأسباب التالية:
1- لأن هذا من اتخاذ الأخدان الذي نهى الله عز وجل عنه في كتابه الكريم.
2- لأنه ذريعة إلى الوقوع في المحظورات بداية من اللغو في الكلام، ومرورا بالكلام في الأمور الجنسية وما شابهها، وختاما بتخريب البيوت، وانتهاك الأعراض، والواقع يشهد بذلك.
3- لأنه موطن تنعدم فيه الرقابة، ولا توجد فيه متابعة ولا ملاحقة، فيفضي كلا الطرفين إلى صاحبه بما يشاء دون خوف من رقيب ولا حذر من عتيد.
4- لأنه يستلزم الكذب إن عاجلا أو لاحقا، فإذا دخل الأب على ابنته، وسألها ماذا تصنع، فلا شك في أنها ستلوذ بالكذب، وتقول: إنني أحدث إحدى صديقاتي، وإذا سألها زوجها في المستقبل عما إذا كانت مرت بهذه التجربة فإنها لا شك ستكذب عليه.
5- لأنه يدعو إلى تعلق القلوب بالخيال والمثالية، حيث يصور كل طرف لصاحبه أنه بصفة كذا وكذا، ويخفي عنه معايبه وقبائحه، حيث الجدران الكثيفة، والحجب المنيعة التي تحول دون معرفة الحقائق، فإذا بالرجل والمرأة وقد تعلق كل منهما بالوهم والخيال، ولا يزال يعقد المقارنات بين الصورة التي طبعت في ذهنه، وبين من يتقدم إلى الزواج بها، وفي هذا ما فيه.
وليس معنى هذا حرمة الحديث بين الجنسين مطلقا عبر هذه الوسائل، ولكننا نتكلم عن تكوين العلاقات والصداقات بين الجنسين، أما ما توجبه الضرورة، أو تستدعيه الحاجة، مثل الحديث بين المراسلين الإخباريين، وبين العالم والمربي ومن يقوم على تربيتهن أو دعوتهن، والحديث الذي تقتضيه دواعي العمل بين الجنسين فليس حراما مادام لم يخرج عن المعروف، ولم يدخل دائرة المنكر، ولم يخرج عما تقتضيه الحاجة وتفرضه الضرورة. 

بقلم الكاتب:  منى السعيد الشريف>>> مجله الوعي الاسلامي 




شارك : جوجل بلاس

الكاتب : صفحات مهجوره

ادمن : صفحات مهجورة
    تعليقات الموقع
    تعليقات الفيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق