عن الدجال

مجموع فتاوى ورسائل الشيخ العثيمين 

سئل فضيلة الشيخ : عن الدجال ؟ ولماذا حذر الأنبياء أقوامهم منه مع أنه لا يخرج إلا في آخر الزمان ؟
فأجاب قائلا : أعظم فتنة على وجه الأرض منذ خلق آدم إلى قيام الساعة هي فتنة الدجال ، كما قال ذلك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولهذا ما من نبي من نوح إلى محمد - صلوات الله عليهم وسلامه - إلا أنذر قومه به تنويها بشأنه ، وتعظيما له ، وتحذيرا منه ، وإلا فإن الله يعلم أنه لن يخرج إلا في آخر الزمان ، ولكن أمر الرسل أن ينذروا قومهم إياه من أجل أن تتبين عظمته وفداحته ، وقد صح ذلك عن النبي - عليه الصلاة والسلام - وقال : « إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم - صلوات الله وسلامه عليه ؛ يعني أكفيكم إياه- وإلا فامرؤ حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم » .


نِعْمَ الخليفة ربنا - جل وعلا- .
فهذا الدجال شأنه عظيم ، بل هو أعظم فتنة ، كما جاء في الحديث منذ خلق آدم إلى أن تقوم الساعة ، فكان حريّا بأن يخص من بين فتن المحيا بالتعوذ من فتنته في الصلاة : « أعوذ بالله من عذاب جهنم ، ومن عذاب القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن فتنة المسيح الدجال » .
وأما الدجال فهو مأخوذ من الدجل وهو التمويه ؛ لأن هذا مموه بل أعظم مموه ، وأشد الناس دجلا .
وسئل فضيلته : عن وقت خروج المسيح الدجال .
فأجاب بقوله : خروج المسيح الدجال من علامات الساعة ، ولكنه غير محدد ؛ لأنه لا يعلم متى تكون الساعة إلا الله ، فكذلك أشراطها ما نعلم منها إلا ما ظهر ، فوقت خروجه غير معلوم لنا ، لكننا نعلم أنه من أشراط الساعة .
وسئل عن مكان خروج الدجال .
فأجاب بقوله : يخرج من المشرق من جهة الفتن والشر كما ، قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « الفتنة هاهنا » وأشار إلى المشرق ، فالمشرق : منبع الشر والفتن ، يخرج من المشرق من خراسان ، مارّا بأصفهان ، داخلا الجزيرة من بين الشام والعراق ، ليس له هم إلا المدينة ؛ لأن فيها البشير النذير - عليه الصلاة والسلام - فيحب أن يقضي على أهل المدينة ، ولكنها محرمة عليه ، كما ثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « على كل باب منها ملائكة يحفظونها » . هذا الرجل يخرج خلة بين الشام والعراق ، ويتبعه من يهود أصفهان سبعون ألفا ؛ لأنهم جنوده ، فاليهود من أخبث عباد الله ، وهو
أضل عباد الله ، فيتبعونه ويؤوونه وينصرونه ، ويكونون مسالح له - أي جنودا مجندين- هم ، وغيرهم ممن يتبعهم ، قال النبي - عليه الصلاة والسلام - : « "يا عباد الله ، فاثبتوا . يا عباد الله ، فاثبتوا » . يثبتنا عليه الصلاة والسلام ؛ لأن الأمر خطير ، وقال - عليه الصلاة والسلام - : « من سمع بالدجال فلينأ عنه ، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات » . يأتيه الإنسان ، ويقول : لن يضلني ، ولن أتأثر به ، ولكن لا يزال يلقي عليه من الشبهات حتى يتبعه والعياذ بالله .
 وسئل عن : دعوة الدجال وما يدعو إليه .
فأجاب بقوله : ذكر أنه أول ما يخرج يدعو إلى الإسلام ، ويقول : إنه مسلم ، وينافح عن الإسلام ، ثم بعد ذلك يدعي النبوة ، وأنه نبي ، ثم بعد ذلك يدعي أنه إله ، فهذه دعوته نهايتها بداية فرعون ، وهي ادعاء الربوبية .
 وسئل عن : فتنة الدجال .
فأجاب بقوله : من حكمة الله - عز وجل أنه - سبحانه وتعالى - يعطي الدجال آيات فيها فتن عظيمة ، فإنه يأتي إلى القوم يدعوهم فيتبعونه ، فيصبحون وقد نبتت أراضيهم ، وشبعت مواشيهم ، فتعود إليهم أطول ما كانت ذرى ، وأسبغ ضروعا ، وأمد خواصر ؛ يعني أنهم يعيشون برغد ؛ لأنهم اتبعوه .
ويأتي القوم فيدعوهم فلا يتبعونه ، فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم ، وهذه فتنة عظيمة ، لا سيما في الأعراب ، ويمر بالخربة ، فيقول : أخرجي كنوزك ، فتخرج كنوزها تتبعه كيعاسيب النحل من ذهب وفضة ، وغيرها بدون آلات ، وبدون أي شيء ، فتنة من الله - عز وجل- فهذه
حاله ، ومعاملته مع أهل الدنيا لمن يريد التمتع بالدنيا ، أو يبأس فيها .
ومن فتنته أن الله - تعالى - جعل معه جنة ونارا بحسب رؤيا العين ، لكن جنته نار ، وناره جنة ، فمن أطاعه أدخل هذه الجنة فيما يرى الناس ، ولكنها نار محرقة والعياذ بالله ، ومن عصاه أدخله النار فيما يراه الناس ، ولكنها جنة وماء عذب طيب .
إذن يحتاج الأمر إلى تثبيت من الله - عز وجل - إن لم يثبت الله المرء هلك وضل ، فيحتاج إلى أن يثبت الله المرء على دينه ثباتا قويا .
ومن فتنته أنه يخرج إليه رجل من الناس ممتلئ شبابا ، فيقول له : أنت الدجال الذي ذكر لنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيدعوه ، فيأبى أن يتبعه فيضربه ، ويشجه في المرة الأولى ، ثم يقتله ، ويقطعه قطعتين ، ويمشي بينهما تحقيقا للمباينة بينهما ، ثم يدعوه فيقوم يتهلل وجهه ، ويقول : أنت الدجال الذي ذكر لنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، ثم يأتي ليقتله فلا يسلط عليه ، يعجز عن قتله ، ولن يسلط على أحد بعده ، فهذا من أعظم الناس شهادة عند الله ؛ لأنه في هذا المقام العظيم الرهيب الذي لا نتصوره نحن في هذا المكان ، لا يتصور رهبته إلا من باشره ، ومع ذلك يصرح على الملأ إعذارا وإنذارا ، بأنك أنت الدجال الذي ذكر لنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، هذه حاله ، وما يدعو إليه .
 وسئل فضيلته : عن مقدار لبث الدجال في الأرض .
فأجاب بقوله : مقدار لبثه في الأرض : أربعون يوما فقط ، لكن يوم كسنة ، ويوم كشهر ، ويوم كجمعة ، وسائر أيامه كأيامنا ، هكذا حدث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، « قال الصحابة - رضي الله عنهم - : يا رسول الله ، هذا اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم واحد ؟ قال : " لا ، اقدروا »
« له قدره" » ، انظروا إلى هذا المثال لنأخذ منه عبرة ، كيف كان تصديق أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لرسول الله ، ما ذهبوا يحرفون ، أو يؤولون ، أو يقولون : إن اليوم لا يمكن أن يطول ؛ لأن الشمس تجري في فلكها ، ولا تتغير ، ولكنه يطول لكثرة المشاق فيه وعظمها ، فهو يطول ؛ لأنه متعب - بكسر العين - ما قالوا هكذا ، كما يقول بعض المتحذلقين ، ولكن صدقوا بأن هذا اليوم سيكون اثني عشر شهرا حقيقة ، بدون تحريف ، وبدون تأويل .
وهكذا حقيقة المؤمن ينقاد لما أخبر الله به ورسوله من أمور الغيب ، وإن حار فيها عقله ، لكن يجب أن تعلم أن خبر الله ورسوله لا يكون في شيء محال عقلا ، لكن يكون في شيء تحار فيه العقول ؛ لأنها لا تدركه ، فالرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخبر أن أول يوم من أيام الدجال كسنة ، لو أن هذا الحديث مر على المتأخرين ، الذين يدعون أنهم هم العقلاء لقالوا : إن طوله مجاز ، عما فيه من التعب والمشقة ؛ لأن أيام السرور قصيرة ، وأيام الشرور طويلة ، ولكن الصحابة - رضي الله عنهم- من صفائهم وقبولهم سلموا في الحال ، وقالوا بلسان الحال : إن الذي خلق الشمس ، وجعلها تجري في أربع وعشرين ساعة في اليوم والليلة قادر على أن يجعلها تجري في اثني عشر شهرا ؛ لأن الخالق واحد - عز وجل - فهو قادر ، ولذلك سلموا . وقالوا : كيف نصلي ؟
ما سألوا عن الأمر الكوني ؛ لأنهم يعلمون أن قدرة الله فوق مستواهم ، سألوا عن الأمر الشرعي الذين هم مكلفون به وهو الصلاة ، وهذا والله حقيقة الانقياد والقبول ، قالوا : « يا رسول الله ، فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال : " لا ، اقدروا له قدره » . وسبحان الله العظيم ، إذا تأملت تبين لك أن هذا الدين تام كامل ، لا يمكن أن تكون مسألة يحتاج الناس إليها إلى يوم القيامة إلا وجد لها أصل ، كيف أنطق الله
الصحابة أن يسألوا هذا السؤال ؟
أنطقهم الله حتى يكون الدين كاملا ، لا يحتاج إلى تكميل ، وقد احتاج الناس إلى هذا الآن في المناطق القطبية ، يبقى الليل فيها ستة أشهر ، والنهار ستة أشهر ، فنحتاج إلى هذا الحديث ، انظر كيف أفتى الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذه الفتوى قبل أن تقع هذه المشكلة ؛ لأن الله - تعالى - قال في كتابه : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } . والله لو نتأمل الكلمة { أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } لعلمنا أنه لا يوجد شيء ناقص في الدين أبدا ، فهو كامل من كل وجه ، لكن النقص فينا ؛ إما قصور في عقولنا ، أو في أفهامنا ، أو في إرادات ليست منضبطة ، يكون الإنسان يريد أن ينصر قوله ، فيعمى عن الحق - نسأل الله العافية - .
فلو أننا نظرنا في علم ، وفهم ، وحسن نية لوجدنا أن الدين ولله الحمد لا يحتاج إلى مكمل ، وأنه لا يمكن أن تقع مسألة صغيرة ولا كبيرة ، إلا وجد حلها في الكتاب والسنة ، لكن لما كثر الهوى ، وغلب على الناس صار بعض الناس يعمى عليهم الحق ، ويخفى عليهم ، وتجدهم إذا نزلت فيهم الحادثة التي لم تكن معروفة من قبل بعينها ، وإن كان جنسها معروفا تجدهم يختلفون فيها أكثر من أصابعهم ، إذا كانت تحتمل قولين وجدت فيها عشرة ، كل هذا ؛ لأن الهوى غلب على الناس الآن ، وإلا فلو كان القصد سليما والفهم صافيا ، والعلم واسعا لتبين الحق .
على كل حال ، أقول : إن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخبر أن الدجال يبقى أربعين يوما ، وبعد الأربعين يوما ينزل المسيح عيسى ابن مريم ، الذي رفعه الله إليه ، وقد جاء في الأحاديث الصحيحة : « أنه ينزل عند المنارة البيضاء ، شرقي دمشق ، واضعا كفيه على أجنحة ملكين ، إذا طأطأ رأسه
 قطر ، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ ، فلا يحل لكافر يجد ريحه إلا مات » .
وهذه من آيات الله ، فيلحق الدجال عند باب لد في فلسطين ، فيقتله هناك ، وحينئذ يقضي عليه نهائيا ، ولا يقبل عيسى - عليه الصلاة والسلام - إلا الإسلام لا يقبل الجزية ، ويكسر الصليب ، ويقتل الخنزير فلا يعبد إلا الله ، وعلى هذا فالجزية التي فرضها الإسلام جعل الإسلام لها أمدا تنتهي إليه عند نزول عيسى ، ولا يقال : إن هذا تشريع من عيسى - عليه الصلاة والسلام - ؛ لأن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخبر بذلك مقرا له ، فوضع الجزية عند نزول عيسى - عليه الصلاة والسلام - ، من سنة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؛ لأن سنة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : قوله ، وفعله ، وإقراره ، وكونه يتحدث عن عيسى ابن مريم مقرا له فهذا من سنته ، وإلا فإن عيسى لا يأتي بشرع جديد ، ولا أحد يأتي بشرع جديد ، ليس إلا شرع محمد - عليه الصلاة والسلام - إلى يوم القيامة ، هذا ما يتعلق بالدجال نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من فتنته .
( 146 ) وسئل فضيلة الشيخ : هل الدجال من بني آدم ؟
فأجاب قائلا : الدجال من بني آدم . وبعض العلماء يقول : إنه شيطان . وبعضهم يقول : إن أباه إنسي ، وأمه جنية ، وهذه الأقوال ليست صحيحة ، فالذي يظهر : أن الدجال من بني آدم ، وأنه يحتاج إلى الأكل والشرب ، وغير ذلك ، ولهذا يقتله عيسى قتلا عاديا كما يقتل البشر .
( 147 ) وسئل فضيلته : هل الدجال موجود الآن ؟
فأجاب بقوله : الدجال غير موجود ؛ لأن الرسول ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خطب الناس في آخر حياته ، وقال : " « إنه على رأس مائة سنة لا يبقى »
« على وجه الأرض ممن هو عليها اليوم أحد » .
وهذا خبر ، وخبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، لا يدخله الكذب ، وهو متلقى من الوحي ؛ لأن النبي ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يعلم مثل هذا الغيب فهو غير موجود ، ولكن الله يبعثه متى شاء . 
 سئل فضيلة الشيخ : ذكرتم في الفتوى السابقة أن الدجال غير موجود الآن ، وهذا الكلام ظاهره يتعارض مع حديث فاطمة بنت قيس في الصحيح ، عن قصة تميم الداري ، فنرجو من فضيلتكم التكرم بتوضيح ذلك ؟ .
فأجاب بقوله : ذكرنا هذا مستدلين بما ثبت في الصحيحين ، عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، قال : « إنه على رأس مائة سنة لا يبقى على وجه الأرض ممن هو عليها اليوم أحد » .
فإذا طبقنا هذا الحديث على حديث تميم الداري صار معارضا له ؛ لأن ظاهر حديث تميم الداري أن هذا الدجال يبقى حتى يخرج ، فيكون معارضا لهذا الحديث الثابت في الصحيحين ، وأيضا فإن سياق حديث تميم الداري في ذكر الجساسة في نفسي منه شيء ، هل هو من تعبير الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو لا ؟ .

شارك : جوجل بلاس

الكاتب : صفحات مهجوره

ادمن : صفحات مهجورة
    تعليقات الموقع
    تعليقات الفيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق